من حمص ... قصة تضامن ... ووطن ... وجسد واحد
اكتب لك اليوم وانا اقرب الى العافية بعد ان تم رمي قنبلة مسمارية علينا بمظاهرة بحي الانشاءات بحمص من سيارة امنية وذهبت باتجاه عناصر الامن والشبيحة لتنعم بالرضى للعبودية. وساروي لك بعض مما عشته عل رسالتي هذه تسقي وفائكم لوطننا ولاهلنا.
بعد ان رميت القنبلة مساء اخر ايام العيد وصوتها جعلني اقف مثل البسمار لبضع ثواني لان العقل البشري غير قادر على فهم هكذا لامعقول ورميت القنبلة من الجانب الايسر للمضاهرة اي ان الاغلب اصيب من جهة القلب ,وبدات الحواس تعود لي واذ باكثر من خمسين شاب مرميون على الارض والامن بدأ باطلاق النار بشكل عشوائي واعمدة الشوارع مطفئة وكان كل من لم يصب يهم بانقاذ مصاب بجانبه , قدمي اليسرى لم استطع ان اشعر بها فأتاني شاب اتكئ عليه وبدأنا بالمسير باتجاه المنازل لاننا كنا على
تقاطع شوارع. وعند وصولنا للبناية الثانية لان الاولى كانت تستقبل المصابين , خرج شاب وحملني دون اي سؤال لداخل بيته وكنت انزف لدرجة ان حذائي اصبح غارق بالدم. دخلت لاجد امرأة تحمل ضمير امي , ولهفة بداخلها ,قالت لي لاتخف يا بني انت في بيتك ومع اهلك ,ربطت لي فخذي الايمن لانه مصاب من الخلف بشضية عميقة ,وربطت ساعدي الايسر , وانا لاشعر بشيء سوى بهول ما سمعت من انفجار .وعندما فتحو ازرار قميصي وجدو شضايا بخاصرتي اليسرى. هنا بدا الجميع بالدعاء لي والدعاء على هذا النظام, وبعد 15 دقيقة اصبحت قادرا على تمييز انني غرقت الغرفة بالدم والمجلس الذي جلست عليه ,شعرت بالخجل فاعتذرت ,واذ بالمراة تقول لي يا خالة والله شرفتنا,اتى رجل البيت وتعرف علي وقال لي هيا يا ابني علينا الذهاب الى المشفى واعتذر على اسم المشفى وحملوني وخرجنا.
لم افرح بيوم من الايام كما فرحت باستقبال الشباب لي على باب البناية اشخاص لااعرف اسمائهم , مجرد اننا نعرف بعضنا اثناء التضاهر, كانت الطريق طويلة كنت اقيسها بتكات عقارب الالم ,ونسمات باردة , وصلنا المشفى وكانما هناك مهرجان, اغلب اهالي الحي يتجمعون بمحيط المشفى لحماية المشفى من الاقتحام ,دخلت لاجد اكثر من 10 مصابين يعالجون بباب المشفى .والمشفى ارضه لايخلو شبر من الدماء, وهنا شاهدت اصدقائي يركضون يصرخون يقولون لي لاتخف سنفديك بارواحنا. اتى الطبيب , وياله من رجل نبيل ,ابتسم وقال لي لاتخف اعدك بان تعافى وتخرج لتقود المضاهرات ,بكيت فقال لي لاتبك ,فقلت له لم يعد لدي دم لانزفه ولا اشعر بجسدي ,كان الطبيب يحاورني وانا لااشعر بانني قد خُدرت وان ثلاثة ممرضين يقومون بانتزاع شضايا خارجية ,وهنا فقدت الوعي لاجد نفسي انقل من قبل الهلال الاحمر ,ومعي صديق فقلت له كم الساعة واين نحن فقال لاتخف ننقلك لمشفى اخر لان الامن يقوم الان باقتحام المشفى الذي كنت به قلت له اين وجهتنا ,فقال المشفى كذا اصبت بهلع وادركت ان حالتي خطيرة لان الوصول الى ذلك المشفى انتحار فقلت له لااريد , ف تكلم رجل الهلال الاحمر قال لي: قالو لي انك شجاع, انا فلان اخو الشهيد فلان , فقلت له نيالك , فقال لي لا بل نيالك ,وابتسم مع ان منظري لايجعل مخلوق على وجه الارض يبتسم .
كانت اصوات الرصاص لاتتوقف طوال الطريق وبرفقتي صديقي الشاب الطبيب الذي لم يتخرج بعد ,وصلنا المشفى والى غرفة التصوير فورا على اصوات الرصاص اللئيم ,وهنا فوجئت بوجود شضية استقرت بضلع بقرب قلبي ,وباثنتين لايشكلان خطورة على القلب , وبشضية بمفصل قدمي ,وبشضيتين بخاصرتي اليسرى بجانب الكلية وثالثة طفيفة ,وعشرا الشضايا التي لاتشكل خطرا باستثناء انها تعيق حركة اقدامي لانها تؤثر على الاعصاب. وبدأنا بعملية استخراج الشضايا حتى الساعة الثالثة والنصف صباحا وهنا ازداد صوت الرصاص ووصلنا خبر بان قوات الغدر قادمة لاقتحام المشفى فهب رجال الهلال وحملوني لاارقد ببيت احد اقاربي ليليلة لن استطع وصفها ,ولكي اهرب من ان اخبر اهلي ,خوفا على صحة امي. وكان يوم جمعة وعصابات الأمن تملى الحي الذي انا نائم به وهو ملاصق لحيي ومازالت شضية بقدمي مستقرة لم تشل.
مر يوم الجمعة كان دوائي الوحيد صوت رفاقي يصلني الى حيث ارقد خفف عني الكثير كم كان مفعما بالثوار هذا اليوم كم شعرت بان كل من خرج اليوم خرج لاجلي واجل رفاقي المصابين.
واجريت اخر عملياتي يوم السبت واقولها بكل فخركل من قابلتهم لم يرضو ان ياخذو اجرا وتم صرف دواء لي اكثر من مرة مجانا لانهم يعرفون ان هذا الدواء لحالات تشبه حالتي. هاهي سورية ,هاهم السوريون , فعن اي خلافات تتكلمون وعن اي مخاوف تتوجسون. كونو ثقة يا اخوتي ان كل ما يصيبنا من بلاء هو منشط لوطنيتنا الدؤبة ,هو اكسير وطنيتنا والغد قادم محمل بفجر حر. ورحم الله حكم دراق السباعي الذي جعلني انال شرف انه حملني مرتين واستشهد بعد اصابتي باسبوع وهو يسعف شخصا مثلي وعافى الله مصابين وطني ووطني من شر ظلام السلطة وعود على بدء.